معلوماتتصريح إمكانية الوصول
عرض ألوان في الموقع(* يعمل في المتصفحات الحديثة مثل كروم وفايرفوكس)عرض عاديملائم لمن لديه عمى ألوانملائم لأصحاب الرؤية الثقيلةأ+ 100%أ-إغلاق
sehatunaمرض السكريمرشدينهل بالإمكان شفاء السكري من النوع الثاني؟

هل بالإمكان شفاء السكري من النوع الثاني؟

بات السكري من النوع الثاني، اليوم، معرفا كمرض مزمن، لكن الأبحاث الجديدة تشير إلى إمكانية أن يكون الأمر قابلا للإصلاح. هل بالإمكان شفاء المرض؟


(تصوير: shutterstock)
(تصوير: shutterstock)

السكري هو مرض مزمن - هذا ما حددته منظمة الصحة العالمية، وعمليا كافة السلطات الصحية حول العالم.

من المتعارف عليه الاعتقاد أنه من تم تشخيص إصابته بالسكري، سيحمل المرض معه بقية حياته. لكن، تعرض الكثير من الأبحاث المختلفة التي تم إجراؤها خلال السنوات الماضية، نتائج مشجعة، بالأساس في أعقاب نجاح الحميات الخاصة وجراحات علاج السمنة، حيث يتم عرض الموضوع للنقاش واقتراح أسلوب تعامل مختلف مع المرض.

 

إذاً، هل ما زال الحديث يدور عن مرض "باتجاه واحد" من التفاقم، أم ربما بالإمكان وقف المرض بل وحتى عكس التشخيص في أعقاب العلاج الناجح؟ ومتى بإمكان المريض الحصول على تعريف "خالٍ من السكري" (Diabetes free)؟

 

السكري من النوع الثاني، على عجالة

 

يحتاج جسم الإنسان للسكر من أجل الأداء السليم. السكري هو حالة تكون مستويات السكر بالدم فيها أعلى من الطبيعي، لدرجة التسبب بأضرار. البنكرياس هو العضو المسؤول مسؤولية مباشرة عن معالجة السكر الموجود في الدم. يقوم بذلك من خلال خلايا بيتا - خلايا تنتج مادة اسمها الإنسولين، وهي المسؤولة عن عملية النقل الجارية للسكر من الدورة الدموية وإدخاله إلى داخل الأعضاء التي تحتاجه.

 

يسمى المس بالبنكرياس وبإنتاج الإنسولين بواسطة خلايا بيتا جرّاء مرض مناعة ذاتي (عندما يقوم جهاز المناعة في الجسم بمهاجمة الخلايا السليمة) بالسكري من النوع الأول، أو "سكري الأطفال"، كما كان يطلق عليه في الماضي.

 

نوع السكري الأكثر انتشارا هوالسكري من النوع الثاني- الذي ينشأ عموما نتيجة لمشاكل في عملية الأيض في الجسم و/أو السمنة الزائدة. تؤدي هذه المشاكل لانخفاض في كمية خلايا بيتا وبقدرتها على إنتاج الإنسولين، ونتيجة لذلك إلى تراكم السكر في الدم. انتشر السكري من النوع الثاني، خلال العقود الماضية، بسرعة في دول العالم النامية والمتطورة: ففي حين تم في بداية سنوات الثمانين تشخيص نحو 108 ملايين شخص في أنحاء العالم، يدور الحديث اليوم عن أكثر من 422 مليون مريض. وباء حقيقي.

  

يدور الحديث عن مرض بعيد عن أن يكون "مجرد" فائض للسكر في الدم. المشكلة الخطيرة في السكري هي تأثيره على الأمد الطويل: فهو يزيد مخاطر الكثير من المضاعفات وبضمنها أمراض القلب والأوعية الدموية، أمراض العينين والعمى، أمراض الكلى، الضرر العصبي والمزيد. يدور الحديث عن أضرار صحية شديدة تمس بجودة الحياة كما تمس بمعدل عمر المرضى. عام 2015، كان السكري العامل المباشر المسبب لـ 1.6 مليون حالة وفاة في العالم، وهو مصنف حاليا، من قبل منظمة الصحة العالمية، في المرتبة السادسة على قائمة مسببات الوفاة الأساسية في العالم.

 

يتم الحصول على التعريف الطبي للسكري من نتائج فحوص الدم (فحصين يتم إجراؤهما في يومين غير متعاقبين): مستويات_سكر في حالة الصوم أعلى من 126. يتم تعريف الحالة السليمة من مستويات السكر في حالة الصوم على أنها أقل من 100. وبين 100 إلى 126، يتعتبر حالة متوسطة، مقدمة سكري، الأمر الذي يحتاج إلى متابعة. يتطرق تعريف آخر إلى قيمة الـ "هيموغلوبين الجليكوزيلاتي" (A1C - معدل مستويات السكر في الدم خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت الفحص): يعتبر المستوى الذي يتراوح بين 5.7 - 6.4 حالة من مقدمات السكري، وعندما يتم الحصول على مستوى 6.5 وما فوق - يتم تشخيص الإصابة بالسكري.

 

هل بالإمكان وقف السيرورة؟

 

"في السكري من النوع الثاني، في المراحل الأولى بعد التشخيص، في الكثير من الحالات يكون البنكرياس ما يزال يعمل جزئيا. يقوم بإنتاج الإنسولين، لكن ليس بصورة كاملة"، يشرح البروفيسور خوليو فينشطاين، مدير وحدة السكري في المركز الطبي فولفسون. "في قسم من الحالات، تكون وتيرة تدمير الخلايا أسرع، أو يبدأ مبكرا. في القسم الآخر، يتم تشخيص حالة يكون عدد خلايا البيتا فيها أقل مما يجب، ويكون الوضع غير قابل للإصلاح. لكن لدى الكثيرين، عندما يكون ما يزال هناك إنتاج بنسبة 20-30% من خلايا البيتا التي يتم إنتاجها في الجسم السليم، أي تقوم بإنتاج الإنسولين، يكون ما يزال بالإمكان التأثير على قدرة إنتاج كمية كافية من الإنسولين. معنى ذلك هو أن الوضع قابل للإصلاح وبالإمكان معالجة المشكلة نفسها، قبل الحل بواسطة الأدوية". 

 

يشرح البروفيسور إيتمار راز، رئيس المجلس الوطني للسكري في إسرائيل، مدير وحدة السكري في هداسا ومدير شعبة السكري في "كموني"، أن تدمير خلايا بيتا يبدأ منذ مراحل ما قبل السكري. "قام بحث تم إجراؤه في مستشفى كبير في الولايات المتحدة، بفحص معطيات كافة سكان المنطقة على مدار سنوات، بما في ذلك فحص السكر في الدم الذي أجرى مرة في السنة. تبين من تحليل نتائج الوفيات، التي شملت التشريح بعد الوفاة، أن من كان خلال حياته في حالة من مقدمات السكري، كان لديه فقط 50% من خلايا البيتا".

 

بحسب أقواله، هنالك عاملان يؤديان لارتفاع مستويات السكر في الدم: انخفاض الخلايا التي تفرز الإنسولين (خلايا بيتا) ومقاومة الإنسولين، أي أنه يتم إفراز الإنسولين، لكن الكبد والعضلات لا تتجاوب معه - ولا يدخل السكر إلى الخلية، ولا "يحترق" ويصبح مستوى السكر في الدم مرتفعا. "تقوم السمنة الزائدة بتشغيل مسببّين للمرض. من جهة، يؤدي ترسب الدهون في البنكرياس إلى قتل خلايا البيتا ويمنع إفراز الإنسولين كردة فعل على ارتفاع مستوى الجلوكوز (السكر). ومن الجهة الثانية، يؤدي ترسب الدهون في العضلات أو الكبد أو غيرها من الأعضاء،إلى عدم تجاوبها مع الإنسولين. لذلك، عندما نقوم بتخفيض وزننا في الوقت المناسب، يكون الوضع ما زال قابلا للإصلاح. صحيح أن خلايا بيتا التي ماتت لن تعود، لكن سيكون بإمكان الخلايا المتبقية التحرر من عبء الدهون والعودة للعمل كما ينبغي"، يقول البروفيسور راز.

 

كيف نوقف سيرورة السكري؟

 

العلاج غير الدوائي

 

الافتراض هو أن كل إنسان يعاني من السكري، هو شخص لديه ميل وراثي للمرض. لكن الميل الوراثي موجود لدى غالبية سكان العالم الغربي، وهنا تدخل إلى الصورة بقية العوامل البيئية المكتسبة. عوامل الخطورة الأساسية للإصابة بالسكري هي ارتفاع الوزن وعدم القيام بالنشاط البدني (الرياضي). "علاج الأسباب البيئية، في حالات إنتاج خلايا البيتا بالحد الأدنى على الأقل، هو مفتاح وقف السيرورة مع الوقت"، يقول البروفيسور فينشطاين.

 

بحث تم نشره في آذار 2016 في مجلة رابطة السكري الأمريكية "diabetes Care" وتم إجراؤه على 30 مصابا بالسكري من النوع الثاني من نيو كاسل في بريطانيا. يدور الحديث عن مرضى تم تشخيصهم منذ ما بين نصف عام وحتى 23 عاما قبل بدء البحث، وتوقفوا عن تناول الأدوية قبل التجربة. طُلب من المشاركين المواظبة على حمية قليلة السعرات الحرارية جدا (600-700 سعرة حرارية فقط في اليوم)، تمت ملاءمتها بصورة شخصية لكل شخص منهم. استمرت الحمية لمدة 8 أسابيع، خفّض المشاركون خلالها بالمعدل 14 كيلو للشخص. بعد 8 أسابيع، تم وقف الحمية الراديكالية وعاد المشاركون لتناول الطعام بصورة عادية، مع الاهتمام بتغذية صحية ومتوازنة. تم قياس مستويات السكر لدى المشاركين حتى نصف سنة منذ بدء البحث.

 

أظهر تحليل النتائج أن 40%(!) من المشاركين نجحوا "بقلب" حالتهم، وكانوا عمليا بدون سكري لمدة نصف عام. تم تعريف قسم من المشاركين، على أنهم مصابون بالسكري وتناولوا الأدوية لمدة أكثر من 10 سنوات قبل البحث.

 

بحث إضافي تم نشره في مجلة diabetes metabolism عام 2014، فحص وحلل معطيات من أبحاث مختلفة قامت بفحص تأثير الحمية المتوسطية على منع الإصابة بالسكري وعلى توازن السكري الموجود. وجد الباحثون أن الحمية المتوسطية تساعد في منع الإصابة بالسكري، بل وأكثر من ذلك - تساعد الحمية المتوسطية قليلة السعرات الحرارية في موازنة السكري، حتى بدون أدوية.

 

العلاج الطبي - جراحة علاج البدانة

 

خلال العقد الأخير، ازدادت كمية جراحات علاج البدانة/ السمنة (جراحات تصغير المعدة أو المجازة المعدية بمختلف التقنيات لمعالجة مشكلة السمنة الزائدة) التي يجريها مرضى السكري الذين يعانون من الوزن الزائد المعرف على أنه مرضي.

 

يتضح من نتاج متابعة مرضى السكري الذين خضعوا لجراحات علاج البدانة، أن قسما من متلقي العلاج شهدوا تراجعا في الحالة المرضية بعد إجراء الجراحة وانخفاض الوزن المرافق لها. تشير الأبحاث إلى نسبة نجاح (مستويات سكر سليمة دون استخدام الأدوية) تصل إلى 70% وأكثر بالمعدل خلال نصف السنة الأولى ونحو 40% معدل نجاح حتى بعد الجراحة بـ 5 سنوات. تزداد نسب النجاح كلما كانت درجة السكري أبسط.

 

تابع بحث تم نشر نتائجه عام 2014 في المجلة الشهيرة Journal of the American Medical Association، على مدار 15 عاما الحالة الصحية لدى 343 شخصا مصابين بالسكري من النوع الثاني ممن أجروا عمليات علاج البدانة. فحص الباحثون، من ضمن عدة أمور، مَن مِن متلقي العلاج حظي بتوقف مؤقت لمرض السكري - الذي تم تحديده لدى المرضى من ذوي مستويات جلوكوز أقل من 110 ملغم لكل ديسيلتر ممن لم يحتاجوا للأدوية لعلاج السكري - ووجدوا أنه بعد 15 عاما من الجراحة، كان 30.4% من المرضى في حالة من توقف المرض. كان احتمال حصول توقف بعد 15 عاما، كبيرا جدا لدى مجري الجراحات ممن خفضوا أكبر كمية من الوزن خلال السنتين الأوليين بعد الإجراء، ولدى مجري الجراحات الذين عانوا من السكري لفترة أقصر قبل الجراحة.

 

توقف مؤقت، توقف أم شفاء؟

 

إذاً، تظهر الأبحاث والعلاجات أنه بالإمكان إيقاف السكري من النوع الثاني. لكن ما معنى الإيقاف؟ هل يدور الحديث عن توقف مؤقت؟ هل يدور الحديث عن شفاء؟ هل سيأتي اليوم الذي يقول فيه الطبيب لمريض السكري المتوازن "مبروك. لقد شفيت"؟

 

"لا يملك عالم الطب إجابات على هذا الموضوع"، يقول البروفيسور فينشطاين. "أعرف وأعالج أشخاصا اكتشفوا المرض في الوقت المناسب، ويحافظون منذ سنوات طويلة على وزنهم ويهتمون بالتغذية، وينجحون بالحفاظ على توازن دون الحاجة للعلاج بالأدوية. من الممكن أن تتم متابعتهم مرة واحدة فقط في السنة. ومع ذلك، لا أستيطع القول إنهم ليسوا مرضى. لأنهم في اللحظة التي ينكسرون فيها - ومن السهل جدا الانكسار أمام إغراءات العالم الغربي - ويختل شيء ما في التوازن، سيبدأ السكري بالظهور. هذا بالإضافة إلى سيرورة التقدم بالسن الطبيعية، التي تؤدي إلى تراجع سيرورة إنتاج الإنسولين مع مرور الزمن. ليس بالإمكان التوقف عن الرقابة اللصيقة ولو للحظة واحدة".

 

"شاركت قبل عدة سنوات في مؤتمر، مع مختصين رائدين في العالم بموضوع السكري، والذين ركزوا بالأساس على جراحات علاج البدانة وتأثيرها الجيد والسريع على حالات السكري من النوع الثاني. تم طرح اقتراح لتعريف 5 سنوات من الموازنة دون علاج دوائي على أنه شفاء. بقي هذا الأمر مجرد اقتراح حتى اليوم"، يقول البروفيسور فينشطاين. "أمام المرضى أفضّل استخدام مصطلحات مثل توقف مؤقت، تراجع أو توقف".

 

يعتقد البروفيسور إيتمار راز أن الحديث يدور عن سؤال فلسفي، وأن الممارسة الطبية ستكون متطابقة تحت أي تعريف يتم تحديده. "حتما أنا أقول لمتلقي العلاج الذي يواظب على قيم سكر سليمة: "وصلت إلى حالة من الشفاء". طبعا هو يبقى ضمن مجموعة الخطورة الزائدة بسبب فقدان قسم من خلايا البيتا والميل الوراثي لنشوء المرض، ولذلك عليه الاستمرار بالمتابعة الأعلى وتيرة (مرة كل نصف سنة) بالمقارنة مع الشخص الذي لم يصب بالسكري أبدا (مرة كل 3 سنوات). أنصح متلقي العلاج بالاهتمام بالتغذية الصحية والمتوازنة، لكن هذه أيضا نصيحتي لمجمل الناس. ومع ذلك، من سبقت له الإصابة بالمرض، حتى لو كان حاليا في حالة من التوازن، يقطع حدودا معينة ليس بالإمكان العودة منها تماما، وإنما التعامل معها بصورة دائمة".

 

 

آخر تعديل: آذار 2018